- أحاديث رمضان
- /
- ٠07رمضان 1421 هـ - دراسات قرآنية
الوحي تعليمات الصانع وهو أن الله نوّر وأرشد وبيّن ووضّح :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الأخوة الكرام ؛ هناك قاعدة ذهبية وهي أن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، فنحن أمام كون معجز ، علم الله ، وحكمته ، ولطفه ، وخبرته واضحات وضوح الشمس ، هذا الخالق العظيم بهذا الخلق المعجز أيعقل أن يدع خلقه من دون توجيه ؟ أب كبير عالم مؤمن لا يتكلم مع أولاده ؟ لذلك قال عز و جل :
﴿ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ﴾
الله خلق الأكوان ونوّرها بالقرآن بشكل مبسّط ، يشق الطريق ثم توضع عليه الإشارات، هنا منعطف خطر ، هنا ممر ضيق ، هنا جسر ، هنا تقاطع خطر ، هنا اتجاه واحد ، هذه الإشارات رحمة وعلم ، فكما أن الله خلق الأكوان نوّرها بالقرآن ، والكون المعجز لا يقل عنه الوحي .﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾
فيا أيها الأخوة ؛ قضية الوحي قضية خطيرة ، الوحي تعليماته صارمة ، أنت أمام آلة مئة إنسان يفكّها ليفهم تركيبها ، كل معلومات هؤلاء المجربين بكفّة وتوجيهات الذي صمم هذه الآلة بكفة ثانية ، فكلمة وحي رجل أراد أن يداعب شخصاً أن نبيكم أمي فلم الشهادات ؟ فكان الجواب: ولكنه يوحى إليك ، الله عز وجل جعل وعاء النبي فارغاً من أية ثقافة أرضية ليكون ممتلئاً بالوحي فقط .﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾
الوحي له صفات كثيرة ، لكن لا يملكه النبي ، والدليل حينما اتهمت زوجته عائشة رضي الله عنها بشرفها وبعرضها ، الوحي تأخر أربعين يوماً ، والنبي لا يملك لا جلباً ولا دفعاً ، فالوحي تعليمات الصانع ، الوحي هو أن الله نوّر وأرشد وبيّن ووضّح ، فإن أردت الحق المطلق بالكون هو الوحي ، الذي خلق الأكوان أنزل هذا القرآن ، العليم الحكيم الرحيم هذا كلامه ، فينبغي أن تؤمن أن فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه ، كم هي المسافة بين الخالق والمخلوق هي نفسها بين كلام الله وكلام خلقه .﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
أنت راقب نفسك تريد طبيباً تبحث عن إنسان شهادته عالية ، اختصاصه نادر ، أخلاقه عالية ، إيمانه قوي ، منصف ، معتدل ، غير طمّاع ، بعد أن تصل إليه أي شيء يقوله لك تقبله ، فالمؤمن أي أمر في الوحي علته أنه أمر ، انتهى الأمر .﴿ كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
الدخول في رحمة الله من اختيار الإنسان :
الآن موضوع الاختيار:
﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾
الدخول في رحمة الله اختيار ، باختيارك أنت .﴿ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ﴾
اتجاهات ، وطوائف ، ومذاهب ، وأديان أرضية وسماوية ، وتعديلات ، وانشقاقات ، هذا الخلاف أين الفصل ؟ أين الصواب ؟ هو الوحي .﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾
المشكلة أن الإنسان لعله في الدنيا لا يعرف قيمة الوحي ، بشرية تعذب تدمر لأنها خالفت الوحي .﴿ اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾
أنواع الاختلاف :
1 ـ اختلاف طبيعي :
لكن هناك أيها الأخوة ثلاثة أنواع للاختلاف ؛ اختلاف طبيعي سببه نقص المعلومات، نختلف ، نتكهن ، نتوقع ، فالخلاف الأول طبيعي ، لا صواب ولا عقاب ، لا نعرف العيد غداً ؟ سمعنا مدفعاً ، يا ترى مدفع العيد أم يقيمون تفجيراً بقاسيون ؟ اختلفنا نحن بريئون ، فهذا خلاف طبيعي لا شائعة فيه ، أما حينما يذاع : غداً يوم العيد انحسم الأمر .
2 ـ اختلاف قذر :
الخلاف بعد هذا الحسم خلاف أهواء وحسد .
﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
نحن لدينا قاعدة هناك دعوة إلى الله خالصة ، أساسها الاتباع ، والتعاون ، والاعتراف بالفضل ، وهناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله ، هذه أساسها الابتداع ، يأتي بشيء جميل حتى يلفت النظر ، وأساسها التنافس ، وإنكار فضل الآخرين .﴿ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
خذ المسلمين ، كتابهم ونبيهم وإلههم ومنهجهم واحد ، كتاب مجمع على صحته وثبوته ، كل اختلاف بعد الحسم اختلاف هوى وحسد ، واختلاف عند الله قذر ، لذلك :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾
ما لم يك انتماؤك إلى مجموع المؤمنين فلست مؤمناً ، لا يوجد انتماء إلى فقاعات صغيرة ، الانتماء إلى مجموع المؤمنين لقول الله عز وجل:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
وعلامة إيمانك أن قلبك يرفو لأي مؤمن في أي مكان وأي زمان .(( المؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ مُتَوَادُّونَ ، وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاذِلُونَ ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ))
وهذا الذي بين المؤمنين من خلق الله عز وجل .﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾
وعلامة إيمانك محبة أخيك .بالمناسبة لو تخيلنا مؤمنين مستقيمين أيحب بعضهما بعضاً ؟ شيء حتمي مئة بالمئة، كيف يفرق بينهما ؟ بذنب أصابه أحدهما أو كلاهما ، فعلامة استقامتك محبتك لأخيك .
النفور ، والقطيعة ، والجفاء ، والمشاحنة ، والحسد ، والتمني بأن تزول هذه النعمة عن أخيك هذه علامات النفاق ، نحن بأمس الحاجة للحب ، وبعد أن نعرف الله لابد من أن نكون كتلة واحدة .
﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾
أول خلاف طبيعي ، علاجه الحسم ، المعلومات ، الخلاف الثاني قذر ، أساسه الحسد والبغضاء والأهواء والمصالح .3 ـ اختلاف محمود :
هناك خلاف ثالث محمود أساسه التنافس ، هذا ظن أن أعظم شيء في الدين العقيدة طرحها ، الثاني التفسير ، الثالث الحديث ، الرابع العمل الصالح ، وكل واحد ظن أن هذا الشيء أول في الدين فأقبل عليه ، وجمع كل طاقاته من أجله ، هذا اختلاف تنافس ، والحقيقة الدين فيه كل هذه الجوانب ، والله سخر كل أناس لشيء ، الإمام البخاري اختص بالحديث وقدم خدمات لا تقدر بثمن ، سيدنا خالد بالجهاد لم يرو ولا حديث أبداً ، أبو هريرة أكبر راوي حديث عن رسول الله لم يكن متفوقاً بالجهاد ، فكل واحد اختص بجهة يتفوق فيها ، الكمال بالمجموع ، الدعاة إلى الله بمجموعهم متكاملون ، فكل واحد تفوق في جانب ، وهذا عنده جانب فجاء أخوه فملأ النقص في الجانب الآخر و تفوق ، وفاته جانب ثالث فجاءه طرف ثالث ملأ النقص في هذا الجانب وتفوق ، وفاته جانب رابع ، فيقول عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلال ))
إذاً الاختلاف التنافسي محمود .﴿ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ﴾
﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾
علماء همهم الفرائض ملؤوا ثغرة كبيرة جداً ، والمجتمع بأمس الحاجة لهم ، علماء برعوا في التجويد ، علماء برعوا في الفقه ، علماء برعوا في الحديث ، علماء بالقرآن ، طبعاً هناك حد أدنى عند الجميع ، وكل واحد تفوق بجانب ، هؤلاء متكاملون فيما بينهم ، أكبر خطأ أن يقول واحد : أنا الدين ، أنت سددت جانباً من الدين دع مجالاً لغيرك ليسدّ الجانب الآخر .إذاً لدينا اختلاف طبيعي علاجه الحسم ، واختلاف المصالح والأهواء والحسد هذا اختلاف قذر يضعف الأمة ، واختلاف التنافس .
تجد أخاً له خدمات للجامع لا تقدر بثمن ، يعمل به ، هذا لا يقل عن رجل متبحر ، هذا أخذ جانب التبحر بالعلم ، هذا في الخدمة ، هذا في إنفاق المال ، هذا عنده تنظيم ، هذا فكري ، إداري ، عنده أفكار جميلة جداً ، هذا الثالث لديه ترتيبات قدمها للمسلمين ، هذا تفوق باختصاصه وقدمها للمؤمنين ، كل واحد قدم شيئاً .
أيها الأخوة ؛ أدق ما في هذه الآية:
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴾
أنت تختار الدنيا تأخذها فقط ، وتحرم الآخرة ، لو أنك اخترت بالعكس اخترت الآخرة على الدنيا لجاءتك الدنيا راغمة دون أن تشعر ، هذه قاعدة ؛ من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً .تقليل الله على عباده باب من باب التأديب :
آخر نقطة ؛ يجب أن تعلم علم اليقين أنه لا يعقل أن يقلل الله على عباده في الرزق ، ويكون هذا التقليل من باب التأديب .
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
الله عز وجل كن فيكون ، منذ أربعة أيام في منطقة الحسكة والقامشلي هطل المطر بنسبة سبعة وتسعين ميليمتراً بليلة واحدة ، نصف أمطار دمشق ، إذا أعطى الله أدهش ، لماذا التقديم إذاً ؟ مطر قليلة ، مواد قليلة ، شح في بعض المحاصيل ، فالتقليل تأديب ، والدليل القطعي:﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ﴾
ليس كل إنسان يلقى الغنى ، الإنسان عندما يغنى يعصي ، لذلك النبي الكريم قال:(( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِياً ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوِ الدَّجَّالَ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوِ السَّاعَةَ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
على الإنسان محاسبة نفسه دائماً :
آخر نقطة بهذا الدرس كما ورد في الحديث القدسي:
(( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ))
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
لا تحقد على أحد ، لا تندب حظك ، لا تقل : الدهر قلب لي ظهر المجن ، لا تقل: القدر سخر مني ، إذا كان هناك ما يزعجك فاتهم نفسك ، ابحث عن الخطأ ، أين الظلم والعدوان والتقصير ؟ ما هو العمل الذي لا يرضي الله ؟ هذه القضية تحقق محاسبة ذاتية ، وتخفف الحقد، قرأت في بعض الأدعية : " اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك، ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ".فلا تتهم أحداً ، اتهم نفسك ، والإنسان إذا فهم على الله عز وجل قطع أربعة أخماس الطريق إليه ، والحمد لله رب العالمين .
أخ يسأل : كنت دائناً بمبلغ لشقيقي منذ أكثر من سنتين ، وأعاده إليّ من زمن قريب، فهل يتوجب عليه الزكاة ؟
موضوع الدَّين موضوع خلافي :
أخواننا الكرام ؛ موضوع الدين موضوع خلافي ، أرجح الأقوال أنك حينما تسترد المبلغ تدفع زكاته ، أما قبل أن تسترده فهو في خدمة الخلق ، هو في نفع للناس ، يوجد مذهب تدفع زكاة آخر عام والأعوام السابقة وهذا أشد شيء ، الأقل تدفع زكاته عن آخر عام حينما تسترده ، وهناك مذهب يحكم بأن الدين ليس عليه زكاة لأنك قدمته للناس وانتفعوا به ، لكن الوسط أفضل حينما تسترده ادفع زكاته .